فصل: سنة أربع وستين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


  تابع سنة اثنتين وستين وستمائة

وفي خامس عشريه جلس السلطان بدار العدل وطلب تاج الدين بن القرطي فلما حضر قال السلطان له‏:‏ أضجرتني مما تقول‏.‏

عندي مصالح لبيت مال المسلمين فتحدث الآن بما عندك فتكلم القرطي في حق قاضي القضاة وفي حق صاحب سواكن وقال‏:‏ إن الأمراء الذين ماتوا أخذ ورثتهم أكثر من حقوقهم‏.‏

فأمر السلطان بإحضار زيار وأراه لمن حضر وقال‏:‏ من يصبر على هذا الزيار يستكثر عليه إقطاع أو يستكثر على ورثته موجود يخلفه لهم وأنكر عليه وأمر به فحبس وتحدث السلطان في أمر الجند وإنهم إذا كانوا في البيكار وفي مواطن الجهاد لا يصل إليهم شاهد فيشهد أحدهم أصحابه عند موته فإذا حضروا لا تقبل شهادتهم وتضيع أموال الناس بهذا السبب‏.‏

وقال‏:‏ الرأي أن كل أمير يعين من جماعته من فيه دين وخير ليسمع قوله وكل مقدم وكل جماعة من الجند يعين من فيها ممن هو من أهل الخير والصلاح لتسمع أقوالهم حتى تحفظ أموال الناس‏.‏

فسر الأمراء بذلك وشرع قاضي القضاة في اختيار الناس الجياد من الجند لذلك‏.‏

وجلس السلطان في تاسع عشريه بدار العدل فوقف شخص وشكا أن من سكن في شيء من الأملاك الديوانية لا يمكن من الخلو فأنكر السلطان ذلك وأمر بتمكين الساكن من الخلو عند انقضاء الإجارة‏.‏

ووردت رسل الأنبرور ورسل الملك الأشكري بالهدايا‏.‏

وفي سابع شهر رمضان‏:‏ قدمت العساكر من البيرة مع الأمير جمال الدين المحمدي والأمير عز الدين إيغان‏.‏

وقدمت هدية ملك الكرج‏.‏

وورد الخبر باستيلاء عز الدين الكندري نائب الرحبة على قرقيسياء وقتلوا من كان فيها من التتر والكرج وأسروا نيفا وثمانين رجلا في نصف شهر رمضان‏.‏وفيه رسم بتحصيل المراكب لتفرق في بحر أشموم فلما كان ثاني شوال سار السلطان إلى أشموم بنفسه وقسم عمل البحر على الأمراء وعمل بنفسه وحمل القفة مملوءة بالتراب على كتفه والناس تشاهده فوقع الاجتهاد في الحفر واستمر السلطان على العمل بنفسه في كل يوم وصار يركب في المراكب وتفرق المراكب قدامه‏.‏

فتنجز العمل في ثمانية أيام وتكامل الحفر في بحر أشموم وفي الجهة التي من ناحية جوجر وسار السلطان إلى منزلة ابن حسون وعاد إلى قلعة الجبل في حادي عشريه‏.‏

ورسم بإبطال حراسة النهار بالقاهرة ومصر وكانت جملة كبيرة وكتب توقيع بإبطالها وكتب أيضاً بمسامحة الأعمال الدقهلية والمرتاحية أربعة وعشرين ألف درهم نقرة عن رسوم الولاية والمال المستخرج برسم النقيدي وتوجه شجاع الدين بن الداية الحاجب إلى الملك بركة رسولا ومعه ثلاث عمر اعتمر بها عنه بمكة عملت في أوراق مذهبة وشيء من ماء زمزم ودهن بلسان وغيره‏.‏

وفي آخره‏:‏ نزل بالسلطان وعك فدارى بالصدقة وأعطى الفقراء مالا جزيلا‏.‏

وفي ذي القعدة‏:‏ قدم الراهب كرنانوس بكتاب الملك الأشكري‏.‏

وكان الأمير جمال الدين أيدفدي العزيزي يكره قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز ويضع من قدره ويحط عليه عند السلطان بسبب تشدده في الأحكام وتوقفه في القضايا التي لا توافق مذهبه‏.‏

فاتفق جلوس السلطان بدار العدل في يوم الإثنين ثاني عشر ذي الحجة فرفع إليه بنات الملك الناصر قصة فيها أن ورثة الناصر اشتروا دار قاضي القضاة بدر الدين السنجاري في حياته فلما مات ذكر ورثته إنها وقف‏.‏

فعندما قرئت أخذ الأمير أيدغدي يحط على الفقهاء وينقصهم فقال السلطان للقاضي تاج الدين‏:‏ يا قاض‏!‏ هكذا تكون القضاة ‏"‏‏.‏

فقال تاج الدين‏:‏ ‏"‏ يا مولانا‏!‏ كل شاة معلقة بعرقوبها‏!‏ قال ‏"‏ فكيف الحال في هذا قال إذا ثبت الوقف يعاد الثمن من الورثة فقال السلطان‏.‏

فإذا لم يكن مع الورثة شيء قال القاضي‏:‏ يرجع الوقف إلى أصله ولا يستعاد الثمن‏.‏

فغضب السلطان من ذلك وما تم الكلام حتى تقدم رسول أمير المدينة النبوية وقال‏:‏ يا مولانا السلطان سألت هذا القاضي أن يسلم إلى مبلغ ربع الوقف الذي تحت يده لينفقه صاحب المدينة في فقراء أهلها فلم يفعل‏.‏

فسأل السلطان القاضي عما قاله فقال‏:‏ نعم‏.‏

قال السلطان‏:‏ أنا أمرته بذلك فكيف رددت أمري قال‏:‏ ‏"‏ يا مولانا هذا المال أنا متسلمه وهذا الرجل لا أعرفه ولا يمكنني أن أسلمه لمن لا أعرفه ولا يتسلمه إلا من أعرف إنه موثوق بدينه وأمانته فإن كان السلطان يتسلمه مني أحضرته إليه‏.‏

فقال السلطان‏:‏ تنزعه من عنقك وتجعله في عنقي قال‏:‏ نعم‏.‏

قال السلطان‏:‏ لا تدفعه إلا لمن تختاره‏.‏

ثم تقدم بعض الأمراء وقال‏:‏ شهدت عند القاضي فلم تسمع شهادتي في ثبوت الملك وصحته فسأل السلطان القاضي عن ذلك فقال‏:‏ ما شهد أحد عندي حتى أثبته فقال الأمير‏:‏ إذا لم تسمع قولي فمن تريد قال السلطان‏:‏ لم لا سمعت قوله فقال‏:‏ لا حاجة في ذكر ذلك‏.‏

فقال الأمير أيدغدي‏:‏ يا قاضي مذهب الشافعي لك ونولي من كل مذهب قاضيا‏.‏

فصغي السلطان لقول أيدغدي وانقضى المجلس إلى أن كان يوم الإثنين تاسع عشره ولي السلطان القاضي صدر الدين سليمان بن أبي العز بن وهيب الأذرعي الحنفي مدرس المدرسة الصالحية والقاضي شرف الدين عمر بن عبد الله بن صالح ابن عيسي بن عبد الملك بن موسى بن خالد بن على بن عمر بن عبد الله بن إدريس ابن إدريس بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب السبكي المالكي والقاضي شمس الدين محمد بن إبراهيم الحنبلي ليكونوا قضاة القضاة بديار مصر وجعل السلطان لهم أن يولوا في سائر الأعمال المصرية مضافا لقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز وأبقى على ابن بنت الأعز النظر في مال الأيتام والمحاكمات المختصة ببيت المال وكتب لكل منهم تقليدا وخلع عليهم‏.‏

فصار بديار مصر قضاة القضاة من حينئذ أربعة يحكم كل منهم بمذهبه ويلبس كل منهم الطرحات في أيام الخدمة السلطانية‏.‏

ورسم السلطان أيضاً لمجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر ابن العديم بخطابة القاهرة‏.‏وفي رابع عشري ذي الحجة‏:‏ قبض السلطان على الأمير شمس الدين سنقر الرومي واعتقل وتقدم إلى الخليفة الحاكم بأمر الله ألا يجتمع بأحد فاحتجب عن الاجتماع بالناس وفيها تولي الأمير نور الدين على بن مجلي المكاري نيابة حلب عوضاً عن أيدكين الشهابي‏.‏

وفيها نزل السلطان من قلعة الجبل بالليل متنكرا وطاف بالقاهرة ليعرف أحوال الناس فرأى بعض المقدمين وقد أمسك امرأة وعراها سروالها بيده و لم يجسر أحد ينكر عليه‏.‏

فلما أصبح السلطان قطع أيدي جماعة من نواب الولاة والمقدمين والخفراء وأصحاب الرباع بالقاهرة‏.‏

وفيها ولي السلطان إمرة عرب آل فضل لعيسى بن مهنا فسار وطرد التتار عن البيرة وحران وفيها هلك القان هولاكو بن طولوخان بن جنكيزخان في تاسع عشر شهر ربيع الأول بالقرب من كورة مراغة بالصرع عن نيف وستين سنة منها مدة سلطته عشر سنين‏.‏

وقام من بعده ابنه أباغا وجهز جيشا لحرب الملك بركة خان فانهزم هزيمة قبيحة‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان الأمير جمال الدين موسى بن يغمور الباروقي نائب السلطة بديار مصر ودمشق وهو معزول بالقصير من عمل مصر عن أربع وستين سنة‏.‏وتوفي قاضي القضاة بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن الحسن بن على السنجاري الشافعي وهو معروف بالقاهرة عن نيف وستين سنة‏.‏

وتوفي نجم الدين أبو المظفر فتح بن موسى بن حماد القصري المغربي قاضي سيوط بها‏.‏

 سنة أربع وستين وستمائة

في المحرم‏:‏ عقد الأمير سيف الدين قلاوون عنده على ابنة الأمير سيف الدين كرمون التتري الوافد‏.‏

فنزل السلطان من قلعة الجبل وضرب الدهليز بسوق الخيل عندما دخل الأمير قلاوون عليها‏.‏

وقام السلطان بكل ما يتعلق بالأسمطة وجلس على الخوان و لم يبق أحد من الأمراء حتى بعث إلى قلاوون الخيل وبقج الثياب وأرسل إليه السلطان تعابى قماش وخيلا وعشرة مماليك فقبل قلاوون المتقدمة واستعفى من المماليك وقال‏:‏ هؤلاء خوشداشيتي في خدمة السلطان فأعفي‏.‏

وفيه كتب إلى دمشق بثلاثة تقاليد‏:‏ أحدها بتقليد شمس الدين عبد الله محمد بن عطا الحنفي قاضي القضاة والآخر بتقليد زين الدين أبي محمد عبد السلام بن على بن عمر الزواوي المالكي قاضي القضاة المالكية والثالث بتقليد شمس الدين عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي قاضي القضاة الحنابلة‏.‏

فصار بدمشق أربعة قضاة وكان قاضي القضاة الشافعي شمس الدين أحمد بن خلكان فصار الحال كما هو بديار مصر واستمر ذلك‏.‏

واتفق إنه لما قدمت عهود القضاة الثلاثة لم يقبل المالكي ولا الحنبلي وقبل الحنفي فورد مرسوم السلطان بإلزامهما بذلك وأخذ ما بأياديهما من الوظائف إن لم يفعلا فأجابا‏.‏

ثم أصبح المالكي وعزل نفسه عن القضاء والوظائف فورد المرسوم بإلزامه فأجاب وامتنع هو والحنبلي من تناول جامكية على القضاء‏.‏

وقال بعض أدباء دمشق لما رأي اجتماع قضاة كل واحد منهم لقبه شمس الدين‏:‏ أهل دمشق استرابوا من كثرة الحكام إذا هم جميعا شموس وحالهم في ظلام وقال الآخر‏:‏ بدمشق آية قد ظهرت للناس عاما كلما ولي شمس قاضيا زادت ظلاما وكان استقلالهم بالقضاء في سادس جمادى الأولى‏.‏

وفيه وردت رسل الأنبرور ورسل الفنش ورسل ملوك الفرنج ورسل ملك اليمن ومعهم هدايا إلى صاحب قلاع الإسماعيلية‏.‏

فأخذت منهم الحقوق الديوانية عن الهدية إفسادا لنواميس الإسماعيلية وتعجيزا لمن اكتفي شرهم بالهدية‏.‏

وفي ثامن صفر‏.‏

كانت وقعة بين الأمير علم الدين سنجر الباشقردي نائب حمص وبين البرنس بيمند بن بيمند ملك الفرنج بطرابلس انهزم فيها الفرنج‏.‏

وفيه كتب إلى دمشق بعمل مراكب فعملت وحملت إلى البيرة‏.‏

وفيه توجه السلطان إلى الإسكندرية واهتم بحفر خليجها وباشر الحفر بنفسه فعمل فيه الأمراء وسائر الناس حتى زالت الرمال التي كانت على الساحل بين النقيدي وفم الخليج ثم عدى السلطان إلى بر أبيار وغرق هناك عدة مراكب وألقى فوقها الحجارة ثم عاد إلى قلعة الجبل وحفر بحر مصر بنفسه وعسكره ما بين الروضة والمنشاة بجوار جرف الروضة وجهز المحمل وخلع على المتوجه به إلىالحجاز وهو الأمير جمال الدين نائب دار العدل وسير معه مبلغ عشره آلاف درهم لعمارة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرت الغلال لجرايات الصناع‏.‏

وفي جمادى الأولى‏:‏ قدم فخر الدين بن جلبان من بلاد الفرنج بعدة من الأسرى قد افتكهم‏.‏

بمال الوقف المسير من جهة الأمير جمال الدين النجيبي نائب دمشق‏.‏

فحضر عدة من النساء والأطفال فسيرت النساء إلى دمشق ليزوجهن القاضي من أكفائهن‏.‏

وفيه سافر الأمير جمال الدين بن نهار المهمندار الصالحي لبناء جسر على نهر الشريعة ورسم لنائب دمشق بحمل كل ما يحتاج إليه من الأصناف‏.‏

وفيه كل بناء الدار الجديدة عند باب السر المطل على سوق الخيل من قلعة الجبل فعمل بها دعوة للأمراء‏.‏

وفي جمادى الآخرة‏:‏ سار الأمير أقوش السفيري ومعه أربعون ديوانا لاستخراج زكاة عرب بلاد المغرب فوصل إليهم وأخذ منهم الزكاة التي فرضها الله وأخذ منهم الحقوق‏.‏

وفي ثالث رجب‏:‏ اهتم السلطان بأمر الغزو وسير إلى أعمال مصر بإحضار الجند من إقطاعاتهم فتأخروا‏.‏

فأرسل سلاح داريته إلى سائر الأعمال فعلقوا الولاة بأيديهم ثلاثة أيام تأديبا لكونهم ما سارعورا إلى إحضار الأجناد فحضروا بأجمعهم‏.‏

وخرج السلطان في مستهل شعبان ورحل في ثالثه وسار إلى غزة‏.‏

وقدم الأمير أيدغدي العزيزي والأمير قلاوون في عدة من العسكر إلى العوجاء‏.‏

ومضى السلطان إلى الخليل ثم إلى القدس ومنع أهل الذمة من دخول مقام الخليل وكانوا قبل ذلك يدخلون ويؤخذ منهم مال على ذلك فأبطله واستمر منعهم‏.‏

وسار السلطان إلى عين جالوت ووصل العسكر إلى حمص وأغاروا على الفرنج ونزلوا على حصن الأكراد وأخذوا قلعة عرقة وحلباء والقليعات وهدموها فلما ورد الخبر بذلك جرد السلطان الأمير علاء الدين البندقدار والأمير عز الدين أوغان في عدة من العسكر إلى صور فأغاروا على الفرنج وغنموا وأسروا كثيرا‏.‏

وتوجه الأمير إيتامش إلى صيداء وصار السلطان إلى مدينة عكا وبعث الأمير بدر الدين الأيدمري والأمير بدر الدين بيسري إلى جهة القرن وأرسل الأمير فخر الدين الحمصي إلى جبل عاملة‏.‏

فأغارت العساكر على الفرنج من كل جهة وكثرة المغانم بأيديهم حتى لم يوجد من يشتري البقر والجاموس وصارت الغارات من بلاد طرابلس إلى أرسوف‏.‏

ونزل عسكر السلطان على صور وأقام السلطان في جهة عكا والأمر ناصر الدين القيمري في عثليث فطلب أهل عكا من الأتابك التحدث في الصلح‏.‏

فاهتم السلطان بأمر صفد وأحضر العساكر المجردة ورحل الأمير بكتاش الفخري أمير سلاح بالدهليز السلطاني ونزل على صفد وتبعه الأمير البندقدار والأمير عز الدين أوغان في جماعة وحاصروها‏.‏

هذا والسلطان مقيم على عكا حتى وافته العساكر وعمل عدة مجانيق‏.‏

ثم رحل والعساكر لابسة وساق إلى قرب باب عكا ووقف على تل الفضول‏.‏

ثم سار إلى عين جالوت ونزل على صفد يوم الإثنين ثامن شهر رمضان وحاصرها فقدم عليه رسول متملك صور ورسل الفداوية ورسول صاحب بيروت ورسول صاحب يافا ورسل صاحب صهيون‏.‏

وصار السلطان يباشر الحصار بنفسه وقدمت المجانيق من دمشق إلى جسر يعقوب وهو منزلة من صفد وقد عجزت الجمال عن حملها فسار إليها الرجال من الأجناد والأمراء لحملها على الرقاب من جسر يعقوب وسار السلطان بنفسه وخواصه وجر الأخشاب مع البقر هو وخواصه فكان غيره من الناس إذا تعب استراح ثم يعود إلى الجر وهو لا يسأم من الجر ولا يبطله إلى أن نصبت المجانيق رمي بها في سادس عشريه وصار السلطان يلازم الوقوف عندها وهي ترمي‏.‏

وأتت العساكر من مصر والشام فنزلوا على منازلهم إلى أن كانت ليلة عيد الفطر فخرج الأمير بدر الدين الأيدمري للتهنئة بالعيد فوقع حجر على رأسه فرسم السلطان بألا يجتمع أحد لسلام العيد ولا يبرح أحد من مكانه خشية انتهاز العدو غرة العسكر ونودي يوم عيد الفطر في الناس‏.‏

من شرب خمرا أو جلبها شنق‏.‏

وفي ثانيه‏:‏ وقع الزحف على صفد ودفع الزراقون النفط‏.‏

ووعد السلطان الحجارين إنه من أخذ أول حجر كان له مائة دينار وكذلك الثاني والثالث إلى العشرة‏.‏

وأمر حاشيته بألا يشتغلوا بخدمته‏.‏

فكان بين الفريقين قتال عظيم استشهد فيه جماعة وكان الواحد من المسلمين إذا قتل جره رفيقه ووقف موضعه وتكاثرت النقوب ودخل النقابون إليها ودخل السلطان معهم وبذل السلطان في هذا اليوم من المال والخلع كثيرا ونصب خيمة فيها حكماء وجرائحية وفي ثامنه‏:‏ كانت بين الفريقين أيضاً مقاتل‏.‏

وفي ليلة رابع عشره‏:‏ اشتد الزحف من الليل إلى وقت القائلة فتفرق الناس من شدة التعب فغضب السلطان من ذلك وأمر خواصه بالسوق إلى الصاواوين وإقامة الأمراء والأجداد بالدبابيس وقال‏.‏

المسلمون عل هذه الصورة وأنتم تستريحون فأقيموا وقبض السلطان على نيف وأربعين أميرا وقيدهم وسجنهم بالزردخاناه ثم شفع فيهم فأطلقهم وأمرهم بملازمة مواضعهم وضربت الطبلخاناه واشتد الأمر إلى أن طلب الفرنج الأمان فأمنهم السلطان على ألا يخرجوا بسلاح ولا لامة حرب ولا شيء من الفضيات ولا يتلفوا شيئا من ذخائر القلعة بنار ولا هدم وأن يفتشوا عند خروجهم فإن وجد مع أحد منهم شيء من ذلك انتقض العهد‏.‏

ولم تزل الرسل تتردد بينهم إلى يوم الجمعة ثامن عشره ثم طلعت السناجق الإسلامية وكان لطلوعها ساعة مشهودة‏.‏

هذا والسلطان راكب على باب صفد حتى نزل الفرنج كلهم ووقفوا بين يديه فرسم بتفتيشهم فوجد معهم ما يناقض الأمان من السلاح والفضيات ووجد معهم عدة من أسري مسلمين أخرجوهم على إنهم نصارى‏.‏

فأخذ ما وجد معهم وأنزلوا عن خيولهم وجعلوا في خيمة ومعهم من يحفظهم‏.‏

وتسلم المسلمون صفد وولي السلطان قلعتها الأمير مجد الدين الطوري وجعل الأمير عز الدين العلائي نائب صفد فلما أصبح حضر إليه الناس فشكر اجتهادهم واعتذر إليهم مما كان منه إلى بعضهم وإنه ما قصد إلا حثهم على هذا الفتح العظيم وقال‏:‏ من هذا الوقت نتحالل وأمرهم فركبوا‏.‏

وأحضرت خيالة الفرنج وجميع من صفد فضربت أعناقهم على تل قرب صفد حتى لم يبق منهم سوي نفرين‏.‏

أحدهما الرسول فإنه اختار أن يقم عند السلطان ويسلم فاسلم وأقطعه السلطان إقطاعا وقربه والآخر ترك حتى يخبر الفرنج‏.‏

مما شاهده‏.‏

وصعد السلطان إلى قلعة صفد وفرق على الأمراء العدد الفرنجية والجواري والمماليك ونقل إليها زردخاناه من عنده وحمل السلطان على كتفه من السلاح إلى داخل القلعة فتشبه به الناس ونقلوا الزردخاناه في ساعة واحدة‏.‏

واستدعى السلطان الرجال من دمشق للإقامة بصفد وقرر نفقة رجال القلعة في الشهر مبلغ ثمانين ألف درهم نقره واستخدم على سائر بلاد صفد وعمل بها جامعا في القلعة وجامعا بالربض ووقف على المجنون نصف وربع الحباب وللربع الآخر على الشيخ إلياس ووقف قرية منها على قبر خالد بن الوليد بحمص‏.‏

وفي سابع عشريه‏:‏ رحل السلطان من صفد إلى دمشق فنزل الجسورة وأمر ألا يدخل أحد من العسكر إلى دمشق بل يبقي العسكر على حاله حتى يسير إلى سيس ودخل السلطان إلى دمشق جريدة فبلغه أن جماعة من العسكر قد دخلوا إلى دمشق فأخرجهم مكتفين بالحبال‏.‏وأقام الملك المنصور صاحب حماة مقدما على العساكر وسيرهم معه وفيهم الأمير عز الدين أوغان والأمير قلاوون فسارو في خامس ذي القعدة إلى سيس‏.‏

وفي ثالث ذي القعدة‏:‏ مات كرمون أغا‏.‏

وفي ثامنه‏:‏ أنعم السلطان على أمراء دمشق وقضاتها وأرباب مناصبها بالتشاريف ونظر في أمر جامع دمشق ومنع الفقراء من المبيت فيه وأخرج ما كان به من الصناديق التي كانت للناس‏.‏

وفي عاشره‏:‏ جلس الأتابك هو والأمير جمال الدين النجيبي نائب دمشق لكشف ظلامات الناس والتوقيع على القصص بدار السعادة‏.‏

وخرج السلطان للصيد فضرب عدة حلق وسار إلى جرود ثم إلى أفامية وجهز السلطان إلى مصر شخصا كان قد حضر إلى دمشق وادعي إنه مبارك بن الإمام المستعصم وصحبته جماعة من أمراء العربان فلم يعرفه جلال الدين بن الدوادار ولا الطواشي مختار وتبين كذبه فسير إلى مصر تحت الاحتياط وجهز السلطان بعده شخصا آخر أسود إلى مصر ذكر إنه من أولاد الخلفاء فسير إلى مصر أيضاً وكان قد وصل إلى دمشق في ذي القعدة‏.‏

وفيه استولي السلطان على هونين وتبنين وعلى مدينة الرملة فعمرها وصير لها عملا وولي فيها‏.‏

وفيه أبطل السلطان ضمان الحشيشة الخبيثة وأمر بتأديب من أكلها وقدم رسول الاسبتار ملك الفرنج يسأل استقرار الصلح على بلادهم من جهة حمص وبلاد الدعوة فقال السلطان‏:‏ لا أجيب إلا بشرط إبطال ما لكم من القطائع على مملكة حماة وهي أربعة آلاف دينار وما لكم من القطيعة على بلاد أبي قبيس وهي ثمانمائة دينار وقطيعتكم على بلاد الدعوة وهي ألف ومائتا دينار ومائة مد حنطة وشعير نصفين‏.‏

فأجابوا إلى إبطال ذلك وكتبت الهدنة وشرط فيها الفسخ للسلطان متى أراد ويعلمهم قبل بمدة‏.‏

وورد الخبر بأن فرنج عكا وجدوا أربعة من المسلمين في طين شيحا فشنقوهم فرسم السلطان بالإغارة على بلاد الفرنج فقتلت العساكر منهم فوق المائتين وساقوا جملة من الأبقار والجواميس وعادوا‏.‏

وورد كتاب والي قوص إنه وصل إلى عيذاب وبعث عسكرا إلى سواكن ففر صاحب سواكن ففر صاحب سواكن وعادوا إلى قوص وقد تمهدت البلاد وصارت رجال السلطان بسواكن‏.‏

وفي يوم الإثنين النصف من ذي الحجة‏:‏ جلس الأمير عز الدين الحلي نائب السلطنة بديار مصر ومعه الصاحب بهاء الدين والقضاة بدار العدل على العادة‏:‏ وإذا بإنسان يخرق الصفوف وبيده قصة حتى وقف قدام الأمير ووثب عليه بسكين أخرجها من تحت ثيابه وطعنه في حلقه‏.‏

فأمسك الأمير بيده فجرحها ورفسه برجله ونام على ظهره فوقع المجرم وقصد أن يضرب الأمير ضربة أخرى أو يضرب الصاحب فرجعت السكين في فؤاد الأمير صارم الدين المسعودي فمات من ساعته فقام الأمير فخر الدين والي الجيزة وقبض عليه ورماه فوقع على قاضي القضاة وأخذته السيوف حتى هلك‏.‏

وحمل الأمير عز الدين الحلي إلى داره بالقلعة وحضر المزينون إليه فوجدوا الجرح بين البلعوم والمنحر وكان الذي ضربه جندار به شعبة من جنون وتعاطي أكل السمنة فقوي جنه وكتب بهذا الحادث إلى السلطان فوافاه الخبر وهو راجع من أفامية فشق عليه ذلك وقال‏:‏ والله يهون على موت ولدي بركة ولا يموت الحلي‏.‏

فقال له الأتابك‏:‏ يا خوند والله طيبت قلوبنا إذا كنت تشتهي لو فديت غلاما من غلمانك بولدك وولي عهدك‏.‏

ثم ورد الخبر بعافية الحلي مع مملوكه فخلع عليه السلطان وأعطاه ألف دينار وأعطي رفيقه ثلاثة آلاف درهم نقرة وأحسن إلى ورثة الصارم المسعودي‏.‏

وأما الملك المنصور ومن معه فإنهم ساروا إلى حصن دير بساك ودخلوا الدربند وقد بني التكفور هيتوم بن قسطنطين بن باساك ملك الأرمن على رءوس الجبال أبراجا وهو الذي تزهد فيما بعد وترك الملك لولده ليفون فاستعد ووقف في عسكره فعندما التقى الفريقان أسر ليفون ابن ملك سيس وقتل أخوه وعمه وانهزم عمه الآخر وقتل ابنه الآخر وتمزق الباقي من الملوك وكانوا اثني عضو ملكا وقتلت أبطالهم وجنودهم‏.‏

وركب العسكر أقفيتهم وهو يقتل ويأسر ويحرق وأخذ العسكر قلعة حصينة للديوية فقتلت الرجال وسبيت النساء وفرقت على العسكر وحرقت القلعة بما فيها من الحواصل‏.‏

ودخلوا سيس فأخرجوها وجعلوا عاليها سافلها وأقاموا أياما يحرقون ويقتلون ويأسرون‏.‏

وسار الأمير أوغان إلى جهة الروم والأمير قلاوون إلى المصيصة وأذنة وأياس وطرسوس فقتلوا وأسروا وهدموا عدة قلاع وحرقوا هذا وصاحب حماة مقيم بسيس ثم عادوا إليه وقد اجتمع معهم من الغنائم ما لا يعد ولا يحصى حتى أبيع رأس البقر بدرهمين و لم يوجد من يشتريه‏.‏

فورد الخبر بذلك والسلطان في الصيد بجرود فأعطي المبشر ألف دينار وإمره طبلخاناه‏.‏

ودخل السلطان إلى دمشق وتجهز وخرج للقاء العسكر في ثالث عشر ذي الحجة فشكي إليه وهو بقارا من أهلها وهم نصارى‏:‏ إنهم يتعدون على أهل الضياع ويبيعون من يقع إليهم إلى الفرنج بحصن عكا فأمر العسكر بنهبهم فنهبوا وقتل كبارهم وسبي النساء والأولاد وقدم عليه العسكر المجهز إلى سيس وقدموا له نصيبه من الغنائم ففرق الجميع على عساكره وأحسن إلى متملك سيس ومن معه من الأسري‏.‏

وعاد السلطان إلى دمشق في رابع عشريه ومتملك سيس بين يديه وخلع على الأمراء والملوك والأجناد فامتلأت بالمكاسب وأبيع من الجواهر والحلي والدقيق والحرير ما لا يحصي كثرة و لم يتعرض السلطان لشيء من ذلك وعاد صاحب حماة إلى مملكته بعد ما أنعم عليه السلطان بكثير من الخيول والأموال والخلع‏.‏

وفيها قدمت رسل الملك أبغا بن هولاكو بهدايا وطلب الصلح وفيها أمر السلطان بجمع أصحاب العاهات فجمعوا بخان السبيل ظاهر باب الفتوح من القاهرة ونقلوا إلى مدينة الفيوم وأفردت لهم بلدة تغل عليهم ما يكفيهم فلم يستقروا بها وتفرقوا ورجع كثير منهم إلى القاهرة وفيها اشتد إنكار السلطان للمنكر وأراق الخمور وعفي آثار المنكرات ومنع الحانات والخواطىء بجميع أقطار مملكته‏.‏

بمصر والشام فطهرت البقاع من ذلك‏.‏

وقال القاضي ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور بن أبي بكر بن قاسم بن محتار بن المنير قاضي الإسكندرية لما وردت إليه المراسيم بالإسكندرية وعفي متوليها أثر المحرمات‏:‏ ليس لإبليس عندنا أرب غير بلاد الأمير مأواه حرمته الخمر والحشيش معا حرمته ماءه ومرعاه وقال أبو الحسين الجزار‏:‏ قد عطل الكوب من حبابه وأخلي الثغر من رضابه وأصبح الشيخ وهو يبكي على الذي فات من شبابه وفيها قدم على بن الخليفة المستعصم من الأسر عند التتار‏.‏ الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي بعد فتح صفد‏.‏

وتوفي الصاحب شرف الدين أبو محمد عبد الرحمن بن أمين الدين أبي الغنائم سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي الدمشقي ناظر الدواوين بها عن تسع وستين سنة‏.‏

وتوفي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الجليل بن عبد الكريم الموقاني المقدسي الشافعي المحدث الأديب‏.‏